فصل: الصلح بين جلال الدولة وأبي كاليجار.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الصلح بين جلال الدولة وأبي كاليجار.

ترددت الرسل سنة ثمان وعشرين بين جلال الدولة وابن أخيه كاليجار حتى انعقد بينهما الصلح على يد القاضي أبي الحسن الماوردي وأبي عبد الله المردوسي واستحلف كل واحد منهما للآخر وأظهر جلال الدولة سنة تسع وعشرين من القائم الخطاب بملك الملوك فرد ذلك إلى الفتيا وأجازه القاضي أبو الطيب الطبري والقاضي أبو عبد الله الصهيري والقاضي ابن البيضاوي وأبو القاسم الكرخي ومنع منه القاضي أبو الحسن الماوردي ورد عليهم فأخذ بفتواهم وخطب له بملك الملوك وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة وكان يتردد إليه ثم انقطع عنه بهذه الفتيا ولزم بيته من رمضان إلى النحر فاستدعيه جلال الدولة وحضر خائفا وشكره على القول بالحق وعدم المحاباة وقد عدت إلى ما تحب فشكره ودعا له وأذن للحاضرين بالانصراف معه وكان الأذن لهم تبعا له.

.استيلاء أبي كاليجار على البصرة.

وفي سنة إحدى وثلاثين بعث أبو كاليجار عساكره إلى البصرة مع العادل أبي منصور ابن مافنة وكانت في ولايته الظهير أبي القاسم بن وليها بعد بختيار انتقض عليه مرة ثم عاد وكان يحمل إلى أبي كاليجار كل سنة سبعين ألف دينار وكثرت أمواله ودامت دولته ثم تعرض ملا الحسين بن أبي القاسم بن مكرم صاحب عمان فكاتب أبا كاليجار وضمن البصرة بزيادة ثلاثين ألف دينار وبعث أبو كاليجار العساكر مع ابن مسافيه كما ذكرنا وجاء المدد من عمان إلى البصرة وملكوها وقبض على الظهير أبي القاسم وأخذت أمواله وصودر على مائتي ألف دينار فأعطاها وجاء الملك أبو كاليجار البصرة فأقام بها أياما وولى فيها ابنه عز الملوك ومعه الوزير أبو الفرج بن فسانجس ثم عاد إلى الأهواز وحمل معه الظهير.

.شغب الأتراك على جلال الدولة.

ثم شغب الأتراك على جلال الدولة سنة اثنتين وثلاثين وخيموا بظاهر البلد ونهبوا منها مواضع وخيم جلال الدولة بالجانب الغربي وأراد الرحيل عن بغداد فمنعه أصحابه فاستمد دبيس بن مزيد وقرواشا صاحب الموصل فأمدوه بالعساكر ثم صلحت الأحوال بينهم وعاد إلى داره وطمع الأتراك وكثر نهبهم وتعديهم وفسدت الأمور بالكلية.

.ابتداء دولة السلجوقية.

قد تقدم لنا أن أمم الترك في الربع الشرقي الشمالي من المعمور ما بين الصين إلى تركستان إلى خوارزم والشاش وفرغانة وما وراء النهر بخارى وسمرقند وترمذ وأن المسلمين أزاحوهم أول الملة عن بلاد ما وراء النهر وغلبوهم عليها وبقيت تركستان وكاشغر والشاش وفرغانة بأيديهم يؤدون عليها الجزاء ثم أسلموا عليها فكان لهم بتركستان ملك ودولة نذكرها فيما بعد فإن استفحالها كان في دولة بني سامان جيرانهم فيما وراء النهر وكان في المفازة بين تركستان وبلاد الصين أمم من الترك لا يحصيهم إلا خالقهم لاتساع هذه المفازة وبعد أقطارها فإنها فيما يقال مسيرة شهر من كل جهة فكان هنالك أحياء بادون منتجعون رجالة غذاؤهم اللحوم والألبان والذرة في بعض الأحيان ومراكبهم الخيل ومنها كسبهم وعليها قيامهم وعلى الشاء والبقر من بين الأنعام فلم يزالوا بتلك القفار مذودين عن العمران بالحامية المالكين له في كل جهة وكان من أممهم الغز والخطا والتتر وقد تقدم ذكر هؤلاء الشعوب فلما انتهت دولة ملوك تركستان وكان شغر إلى غايتها وأخذت في الاضمحلال والتلاشي كما هو شأن الدول وطبيعتها تقدم هؤلاء إلى بلاد تركستان فأجلبوا عليها بما كان غالب معاشهم في تخطف الناس من السبل وتناول الرزق بالرماح شأن أهل القفر البادين وأقاموا بمفازة بخارى ثم انقرضت دولة بني سامان ودولة أهل تركستان واستولى محمود بن سبكتكين من قواد بني سامان وصنائعهم على ذلك كله وعبر بعض الأيام إلى بخارى فحضر عنده أرسلان بن سلجوق فقبض عليه وبعث به إلى بلاد الهند فحبسه وسار إلى أحيائه فاستباحها ولحق بخراسان وسارت العساكر في اتباعهم فلحقوا بأصبهان وهم صاحبها علاء الدولة بن كالويه بالغدر بهم وشعروا بذلك فقاتلوه بأصبهان فغلبهم فانصرفوا إلى أذربيجان فقاتلهم صاحبهم وهشودان من بني المرزبان وكانوا لما قصدوا أصبهان بقي فلهم بنواحي خوارزم فعاثوا في البلاد وخرج إليهم صاحب طوس وقاتلهم وجاء محمود بن سبكتكين فسار في اتباعهم من رستاق إلى جرجان ورجع عنهم ثم استأمنوا فاستخدمهم وتقدمهم يغمر وأنزل ابنه بالري ثم مات محمود وولي أخوه مسعود شغل بحروب الهند فانتفضوا وبعث إليهم قائدا في العساكر وكانوا يسمون العراقية وأمراؤهم يومئذ كوكاش ومرقا وكول ويغمر وباصعكي ووصلوا إلى الدامغان فاستباحوها ثم سمنان ثم عاثوا في أعمال الري واجتمع صاحب طبرستان وصاحب الري مع قائد مسعود وقاتلوهم فهزمهم الغز وفتكوا فيهم وقصدوا الري فملكوه وهرب صاحبه إلى بعض قلاعه فتحصن بها وذلك سنة ست وعشرين وأربعمائة واستألفهم علاء الدولة بن كالويه ليدافع بهم ابن سبكتكين فأجابوه أولا ثم انتقضوا وأما الذين قصدوا أذربيجان منهم ومقدموهم بوقاوكوكباش ومنصور ودانا فاستألفهم وهشودان ليستظهر بهم فلم يحصل على بغيته من ذلك وساروا إلى مراغة سنة تسع وعشرين فاستباحوها ونالوا من الأكراد الهديانية فحاربوهم وغلبوهم وافترقوا فرقتين فرجع بوقا إلى أصحابهم الذين بالري وسار منصور وكوكباش إلى همذان وبها أبو كاليجار بن علاء الدولة بن كالويه فظاهرهم على حصاره متى خسرو بن مجد الدولة فلما جهده الحصار لحق بأصبهان وترك البلد فدخلوها واستباحوها وفعلوا في الكرخ مثل ذلك وحاصروا قزوين حتى أطاعوهم وبذلوا لهم سبعة آلاف دينار وسار طائفة منهم إلى بلد الأرمن فاستباحوها وأثخنوا فيها ورجعوا إلى أرمينية ثم رجعوا من الري إلى حصار همذان فتركها أبو كاليجار وملكوها سنة ثلاثين ومعهم متى خسرو المذكور فاستباحوا تلك النواحي إلى أستراباذ وقاتلهم أبو الفتح بن أبي الشوك صاحب الدينور فهزمهم وأسر منهم وصالحوه على إطلاق أسراهم ثم مكروا بأبي كاليجار أن يكون معهم ويدبر أمرهم وغدروا به ونهبوه وخرج علاء الدولة من أصبهان فلقي طائفة منهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وأوقع وهشودان بمن كان منهم في أذربيجان وظفر بهم الأكراد وأثخنوا فيهم وفرقوا جماعتهم ثم توفي كول أمير الفرق الذين بالري وكانوا لما أجازوا من وراء النهر إلى خراسان بقي بمواطنهم الأولى هنالك طغرلبك بن ميكاييل بن سلجوق وإخوته داود وسعدان وينال وهمغري فخرجوا إلى خراسان من بعدهم وكانوا أشد منهم شوكة وأقوى عليهم سلطانا فسار ينال أخو طغرلبك إلى الري فهربوا إلى أذربيجان ثم إلى جزيرة ابن عمر وديار بكر ومكر سليمان بن نصير الدولة بن مروان صاحب الجزيرة بمنصور بن غز علي منه فحبسه وافترق أصحابه وبعث قرواش صاحب الموصل إليهم جيشه فطردهم وافترقت جموعهم ولحق الغز بديار بكر وأثخنوا فيها وأطلق نصير الدولة أميرهم منصورا من يد ابنه فلم ينتفع منهم بذلك وقاتلهم صاحب الموصل فحاصروه ثم ركب في السفين ونجا إلى السند وملكوا البلد وعاثوا فيها وبعث قرواش إلى الملك جلال الدولة يستنجده وإلى دبيس بن مزيد وأمراء العرب وفرض الغز على أهل الموصل عشرين ألف دينار فثار الناس بهم وكان كوكباش قد فارق الموصل فرجع ودخلها عنوة في رجب سنة خمس وثلاثين وأفحش في القتل والنهب وكانوا يخطبون للخليفة ولطغرلبك بعده فكتب الملك جلال الدولة إلى طغرلبك يشكو له بأحوالهم فكتب إليه أن هؤلاء الغز كانوا في خدمتنا وطاعتنا حتى حدث بيننا وبين محمود بن سبكتكين ما علمتم ونهضنا إليه وساروا في خدمتنا في نواحي خراسان فتجاوزوا حدود الطاعة وملكة الهيبة ولا بد من إنزال العقوبة بهم وبعث إلى نصير الدولة بعده يكفهم عنه وسار دبيس بن مزيد وبنو عقيل إلى قرواش حاجب الموصل وقعد جلال الدولة عن إنجاده لما نزل به من الأتراك وسمع الغز بجموع قرواش فبعثوا إلى من كان بديار بكر منهم واجتمعوا إليهم واقتتل الفريقان فانهزم العرب أول النهار ثم أتيحت لهم الكرة على الغز فهزموهم واستباحوهم وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا واتبعهم قرواش إلى نصيبين ورجع عنهم فساروا إلى ديار بكر وبلاد الأرمن والروم وكثر عيثهم فيها وكان طغرلبك وإخوته لما جاؤا إلى خراسان طالت الحروب بينهم وبين عساكر بني سبكتكين حتى غلبوهم وحصل لهم الظفر وهزموا سياوشي حاجب مسعود آخر هزائمهم وملكوا هراة فهرب عنها سياوشي الحاجب ولحق بغزنة وزحف إليهم مسعود ودخلوا البرية ولم يزل في اتباعهم ثلاث سنين ثم انتهزوا فيه الفرصة باختلاف عسكره يوما على الماء فانهزموا وغنموا عسكره وسار طغرلبك إلى نيسابور سنة إحدى وثلاثين فملكها وسكن السادياج وخطب له بالسلطان الإعظم العمال في النواحي وكان الدعار قد اشتد ضررهم بنيسابور فسد أمرهم وحسم عللهم واستولى السلجوقية على جميع البلاد وسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها القوتباق حاجب مسعود فحاصره وعجز مسعود عن إمداده فسلم البلد لداود واستقل السلجوقية بملك البلاد أجمع ثم ملك طغرلبك طبرستان وجرجان من يد أنوشروان بن متوجهر قابوس وضمنها أنوشروان بثلاثين ألف دينار وولى على جرجان مرداويج من أصحابه بخمسين ألف دينار وبعث القائم القاضي الحسن الماوردي إلى طغرلبك فقرر الصلح بينه وبين جلال الدولة القائم بدولته ورجع بطاعته.